The Gift of Handala: Palestine's Boy - PaliRoots

هدية حنظلة: فتى فلسطين

ربما كان حنظلة أحد أشهر الرسوم الكاريكاتورية السياسية، وقد أصبح قطعة أثرية أساسية في الثقافة الفلسطينية. فقد كانت ملابسه الممزقة وقدماه العاريتان بمثابة هوية حنظلة لكل فلسطيني تقريباً داخل فلسطين وخارجها، سواء كفكرة للصمود والبراءة أو كواقع للإفقار والقمع.

الخالق

وُلِد ناجي العلي (1936-1987) في قرية الشجرة الفلسطينية الشمالية أثناء الاحتلال البريطاني. وفي العقد التالي، بعد النكبة وتأسيس دولة إسرائيل، أصبح العلي لاجئًا في جنوب لبنان، حيث عاشت الأسرة في مخيم عين الحلوة للاجئين بالقرب من صيدا. وبعد تخرجه من مدرسة اتحاد الكنائس المسيحية، انتقل إلى صيدا حيث عمل في بستان، قبل أن ينتقل إلى طرابلس لفترة وجيزة وأخيراً إلى بيروت، حيث أقام في مخيم شاتيلا للاجئين، وعمل في عدد من الوظائف الصناعية. وبعد اكتساب الخبرة كميكانيكي سيارات، انتقل إلى جدة، المملكة العربية السعودية، في عام 1957، قبل أن يعود إلى بيروت بعد عامين.

ناجي العلي ناجي العلي
(https://www.versobooks.com/authors/663-naji-al-ali)

بدأت مسيرة العلي السياسية رسميًا عند عودته في عام 1959، عندما انضم إلى حركة القوميين العرب. تأسست حركة القوميين العرب في أواخر الأربعينيات، وكانت حركة قومية عربية ثورية عارضت بشدة الإمبريالية الغربية والصهيونية. لكن عضوية العلي لم تدم طويلًا، حيث طُرد عدة مرات في عامه الأول فقط من العضوية بسبب افتقاره إلى الانضباط الحزبي. في العام التالي، نشر هو ورفاقه من حركة القوميين العرب مجلة سياسية، الصرخة .

أدى انخراطه السياسي إلى قطع مسيرته المهنية في الأكاديمية اللبنانية للفنون الجميلة؛ ولكن في عام 1961، نشأت صداقة مع الناشط السياسي والكاتب غسان كنفاني أثناء إحدى زياراته لمخيم عين الحلوة للاجئين، ونشر العديد من الرسوم الكاريكاتورية التي رسمها العلي في مجلة الحرية .

وفي عام 1963، انتقل العلي إلى الكويت على أمل توفير ما يكفي من المال للانتقال إلى القاهرة أو روما، وعمل في مجلة الطليعة السياسية ، التي كانت صوتًا رائدًا في القومية العربية. وعلى مدى العقد التالي، تنقل العلي بين الكويت ولبنان، وشغل مناصب مختلفة في عدد من الصحف والمجلات.

ميلاد حنظلة

كان حنظلة قد ولد في مجلة السياسة عام 1969، بعد عامين فقط من حرب الأيام الستة التي انتهت باحتلال إسرائيل للضفة الغربية وغزة. وبشعره الشائك الذي يشبه شعر القنفذ، وأقدامه العارية، وملابسه الممزقة، عمد العلي إلى تقديم حنظلة إلى فقراء فلسطين، وحتى اسمه يرمز إلى مرارة الشعب الفلسطيني. وقد تم إنشاؤه ليكون انعكاسًا للعلي عندما أجبر على مغادرة فلسطين وهو طفل، ويقول العلي إن حنظلة لن يكبر بعد سن العاشرة حتى يعود إلى وطنه. وبعد عام 1973، تم تصوير حنظلة وظهره إلى الخلف ويديه متشابكتين، رمزًا لرفض التدخل الخارجي في النضال الفلسطيني، وكثيرًا ما يظهر مع مفتاح، يرمز إلى آمال العودة لملايين اللاجئين الفلسطينيين.

على مر السنين، تم تصوير حنظلة كشاهد عالمي على أهوال وآلام المنفى الفلسطيني، وفي وقت لاحق كمشارك في الأحداث في الرسوم الكاريكاتورية، مما يدل على تطور الشؤون الفلسطينية، وبالتالي تطوير شخصية حنظلة.

اطفال فلسطينيون أطفال فلسطينيون يقفون أمام رسومات حنظلة
( https://www.pinterest.com/pin/522206519263846154/ )

لم يتردد العلي في إطلاق أي رصاصة طيلة السنوات، وبحلول نهاية حياته كان قد نشر أكثر من 40 ألف رسم كاريكاتوري، انتقد فيها التطورات السياسية في المنطقة والعديد من الجهات السياسية الفاعلة، بدءًا من المسؤولين الإسرائيليين، ومسؤولي الأمم المتحدة، وقيادة منظمة التحرير الفلسطينية، وزعماء العالم العربي. في لندن، في عام 1987، أطلق مسلح مجهول النار على العلي، فأرسله إلى المستشفى حيث توفي العلي بعد خمسة أسابيع.

حنظلة اليوم

في الواقع، كان العلي يقصد من حنظلة أن تكون وعداً للأمة الفلسطينية: أن تظل وفية لقضيتها إلى الأبد وأن تقف إلى جانبها. وقد تردد صدى هذا الوعد عبر عدة أجيال من الفلسطينيين، ولا تزال رسالة حنظلة صادقة اليوم كما كانت قبل عقود من الزمان. يصور غلاف رواية بداوي، وهي رواية مصورة من تأليف ليلى عبد الرزاق تصور طفولة والدها في مخيمات اللاجئين في لبنان، صبياً يدير ظهره ويداه متشابكتان، تماماً مثل حنظلة.

غلاف البداوي البداوي، ليلى عبد الرزاق
(https://palestineunbound.wordpress.com/2015/04/29/baddawi-a-graphic-novel-about-a-refugee-boy/)

بينما تحاول ليلى اكتشاف الطفولة التي تركها والدها وراءه في لبنان، لا تجد سوى حنظلة كـ"مرشدها السياحي غير المرئي"، فيأخذها من يدها بينما يواجهان معًا فوضى فلسطين وجمالها.

الحارس غير المرئي http://lalaleila.com/PalFest-2015

على مر السنين، تطور حنظلة، سواء داخل رسوم العلي أو عبر الأفق الإنساني. كان حنظلة فلسطينيًا في الأصل، واليوم أصبح رمزًا دوليًا للصمود والأمل، وتُستخدم صورته في جميع أنحاء العالم لقضايا مختلفة مخصصة لنفس القيم التي يمثلها. على سبيل المثال، في عام 2009، تم تداول صورة أثناء احتجاجات الحركة الخضراء الإيرانية تُظهر حنظلة وهو يحمل علامة السلام ويرتدي وشاحًا أخضر، مع النص الذي يقول "فلسطين هنا".

الحركة الخضراء احتجاجات الحركة الخضراء، 2009، إيران
( http://www.huffingtonpost.com/shirin-sadeghi/qods-day-protesters-trans_b_291220.html )

وفي مثال آخر، انتشرت صورة على مواقع التواصل الاجتماعي في عام 2013 تظهر حنظلة وهو يرفع أربعة أصابع، في لفتة تضامن مع ضحايا مذبحة ميدان رابعة العدوية في القاهرة، مصر، عام 2013.

ربيعة ( http://www.worldbulletin.net/haber/115367/palestinian-boy-handala-makes-rabia-sign )

لقد ترك ناجي العلي كنزاً للعالم، وليس لفلسطين فحسب. فالولاء للمعاناة، وعدم الرغبة في التنازل عن المبادئ الإنسانية الأساسية، والإبداع، كلها سمات تتردد أصداؤها عبر الحدود. والجمال الحقيقي لحناضلة يكمن في خلوده: لقد مرت عقود من الزمان، ولكن صورة حنضلة لا تزال قوية كما كانت دائماً.