انتهت صلاة العشاء، وهبت نسائم الليل على البلدة. وامتلأ البيت بوجوه مبتسمة تتبادل الحديث، وأسر وأصدقاء يتبادلون القصص عن أيامهم التي قضوها في الصيام. ثم يُسكب الشاي الساخن الطازج ويقدم للجميع مع شريحة من الكنافة. ورغم أنها لا تزال محشوة بأوراق العنب والكوسة والمقلوبة وفطائر الجبن واللحم التي يتم إعدادها بسخاء لإفطار ذلك اليوم، إلا أن هناك دائمًا متسعًا للكنافة.
أما عشاق الحلويات فيغمسون شرائحهم في شراب خاص يسمى القطر، في حين يفضل آخرون تناول شرائحهم المحلاة قليلاً بالقطر للاستمتاع بحشو الجبن الكريمي بشكل أفضل. لا توجد طريقة "صحيحة" للاستمتاع بالكنافة، طالما أنها في بيئة مفعمة بالحيوية، محاطة بالأحباء. يتم تقديم قطع أخرى، مصحوبة بأكواب صغيرة من القهوة العربية الطازجة. ومع انتهاء المساء، يستعد الكثيرون لصلاة الليل وصلاة التراويح ، ويتجه آخرون إلى منازلهم للراحة قبل يوم طويل آخر من الصيام. إذا كنت محظوظًا، فستبقى بضع شرائح من الكنافة للغد.
يمكن الاستمتاع بها في الشوارع أثناء التنقل، أو في مطعم مع أصحاب العمل؛ أو في حفل تخرج من المدرسة الثانوية أو الكلية، أو احتفال بمنزل جديد؛ أو حفل زفاف أو حفل استقبال مولود جديد. والواقع أن التنوع يبدو أحد أقوى سمات حلوى فطيرة الجبن الأسطورية.
يعود تاريخ الكنافة، التي اشتُق اسمها من الفعل العربي " كنافا "، إلى ما لا يقل عن نصف ألف عام، مع وجود تقارير متضاربة تضع أصلها في مدينة نابلس بالضفة الغربية في القرن العاشر أو القرن الخامس عشر. ووفقًا لبعض التقارير، تم إنشاء الكنافة لأول مرة لمعاوية بن أبي سفيان، أول خليفة للإمبراطورية الأموية في القرن العاشر، ومركزها دمشق، من أجل تناولها أثناء السحور كطريقة أكيدة لدرء الجوع أثناء الصيام طوال اليوم. تقارير أخرى، تحمل نفس القصة عن ملك يعاني من شهية نهمة في رمضان، ترجع أصول الكنافة إلى الإمبراطورية الفاطمية في القرن الخامس عشر، ومركزها القاهرة، تحت حكم الخليفة عبد الملك بن مروان. تزعم تقارير أخرى أن الكنافة مشتقة من القطايف ، وهو طبق عربي شعبي آخر، يعود أصله إلى بغداد في القرن الثالث عشر. في حين أنه من الصعب تحديد أصولها، إلا أن الكنافة اليوم تعد عنصراً أساسياً في المطبخ العربي والفلسطيني ورمزاً للمثابرة والثقافة والفخر الفلسطيني.
كنافة ناعمة
(greenprophet.com/2013/06/the-most-fabulous-middle-east-dessert-knafeh/)
هناك ثلاثة أنواع رئيسية لتحضير الكنافة: الخشنة (الخشنة)، التي تصنع قشرتها من خيوط المعكرونة الطويلة؛ والنعامة (الناعمة)، المصنوعة من عجينة السميد؛ والمهايرة (المخلوطة) والتي، كما يوحي اسمها، تُصنع كمزيج من الخشنة والمهايرة . بالإضافة إلى ذلك، يمكن صنع الكنافة باستخدام الجبنة أو القشطة . تقليديا، تُقدم الكنافة مع الفستق المطحون في الأعلى.
نابلس، مركز الثقافة الفلسطينية وأكبر مدينة فلسطينية بين البحر الأبيض المتوسط ونهر الأردن، تشتهر في جميع أنحاء بلاد الشام بالكنافة، المعروفة باسم الكنافة النابلسية. قام الفاتحون العرب في القرن السابع بتعريب اسمها الروماني، نيابوليس، أو "المدينة الجديدة".
نابلس، فلسطين
(gopalestine.org/نابلس)
كما شهدت نابلس صنع أكبر كنافة في العالم عام 2009، وسجلت في موسوعة غينيس للأرقام القياسية. فقد جمع مهند الربة أكثر من 170 خبازاً من حوالي 10 محلات مختلفة في نابلس، وخبزوا معاً فطيرة كنافة بلغ طولها أكثر من 70 متراً وعرضها 1.05 متر. واستخدمت هذه الكنافة 700 كيلوغرام من الجبن، و300 كيلوغرام من السكر، و700 كيلوغرام من الدقيق، و35 كيلوغراماً من الفستق، وبلغت تكلفة صنعها أكثر من 15 ألف دولار، وبلغ وزنها في النهاية 1350 كيلوغراماً. وقد تم توثيق قياسات الكنافة من قبل معهد المواصفات والمقاييس الفلسطيني، وتجمع ما لا يقل عن 100 ألف شخص في ساحة الشهداء المركزية في نابلس ليشهدوا صنع الكنافة. واستغرق خبز الكنافة ست ساعات واستخدم 22 اسطوانة غاز للطهي.
فلسطينيون يتجمعون في نابلس لتسجيل رقم قياسي عالمي في الكنافة
(worldrecordacademy.org)
وقال رئيس الوزراء آنذاك سلام فياض، الذي حضر صناعة هذه الكنافة: "اليوم أصبحت نابلس ليس فقط مشهورة كمنتجة للكنافة، بل وأيضاً كمنتجة للأمل لكل فلسطين".
يصر أتباع الكنافة على الطابع التقليدي ووصفة الكنافة، بينما يواصل أصحاب العقلية العالمية تجربة طرق جديدة لإعداد الكنافة والاستمتاع بها، مثل استخدام حشوة النوتيلا أو صنع الكنافة بالآيس كريم الأحمر والأبيض والأزرق. وبغض النظر عن فضيلة أي من الجانبين، فإننا نصر على أنه لا توجد طريقة "صحيحة" للاستمتاع بالكنافة، والتي ترمز إلى المثابرة في مواجهة الصعوبات. والابتكار في الشدائد.
كنافة بحشوة النوتيلا
(http://fustany.com/en/lifestyle/the-kitchen/five-delicious-ways-to-eat-kunafa)
ومن أجل كل هذه الأسباب التي تتعلق بالفخر الوطني والوحدة والمثابرة والصداقة والأمل، تفتخر شركة PaliRoots بإطلاق قبعة الكنافة.